
يزاوج ماحي بين بين بين الفن التشكيلي والكتابة الروائية. ماحي، الذي درَس ودرّس الرياضيات بفرنسا في ثمانينات القرن الماضي، يعود الى المغرب ويتفرّغ تماما لإبداعاته الفنيّة، حيث قام بعدة معارض في دول مختلفة من العالم ولوحاته مضمنة في المجموعة الدائمة لمتحف غوغنهايم في نيويورك.
"لم أكن عادلا لذا اخترت من سيتولون دفننا". هذا كان برهان فنان المعادلات الرياضية التشكيلي المغربي ماحي بين بين لجبر أعطاب سلطة الانتقاء الممنوحة له من قبل الغاليريست عبلة اعبابو عبر أداة البطاقة البيضاء كتقليد دأبت بعض قاعات العرض في المغرب اتباعه والذي قد يستوقف الملاحظ ليستغور الاحتمالات الخلفية لمنح سلطة لفنان ذي تجربة لاختيار مجموعة من الفنانين التشكيليين للعرض، من قبيل: هل نكرّس لمفهوم الوصاية في الفن؟ هل ننسج وشائج مباركة اللون من الشيخ للمريد؟ هل نزجّ بالإبداع في حضرة ضوء المعلم وظل المتعلم؟ ألسنا بهذه الوسيلة نمارس الاقصاء على من لا يتوافق مع مزاجنا الفني؟ أم تشكيل أداة لإتاحة الفرصة لطاقات لها احقية استلام شرر الخلق ولو بالدفن كما برهن الفنان التشكيلي ماحي بين بين الذي لا تنفصل تصوراته الشخصية عن رؤاه الفنية التي تجرعها من جنائز العبث، حيث شخوصه تنوء تحت قسوة الشرط الإنساني الذي ناله بالتفويض الاخوي عندما كان شقيقه أحد ضيوف أشهر معتقل سري لمدة 18 سنة على خلفية الانقلاب العسكري الذي شهده المغرب عام 1971 اثناء حكم العاهل الراحل الحسن الثاني والذي كان والد الفنان هو في ذات الوقت مؤنس الملك ومهرّجه.
هذه المعادلة العصية على الحجج والتي أدخلت ماحي في غياهب البحث عن الاستنتاج لكائنات غير رياضية تحاصرها الاشكال منها المستطيل والمربع والدائري التي تظهر في أعماله كهيئات مقيدة مكمّمة ممزقة، حيث نلاحظ الأجساد البشرية المتشابكة المصائر المجهولة والمسحوقة لدرجة الإذلال تعكس كوريغرافيا تراجيدية الكائن المقهور.
اللوحة عند ماحي حكاية هواجس غير منتهية، توابلها مرة ومريرة مخضبة بالألوان والمواد والأصباغ الكثيفة والمضيئة يسودها الإظلام في صمته غير المعلن للعلن يرجع صداه ليصطدم بالزنازين الجوانية للروح.
بطاقة الدفن البيضاء
يكشف الفنان ماحي بين بين عن دواعي اختيار هذه الثلة من المبدعين الشباب موضحًا:
ما يذهلني بشأن هؤلاء الشباب الذين اخترتهم، بما في ذلك سبع فتيات وأربعة فتيان كانوا الأفضل بالنسبة لي من بين الطلبات الخمسين التي تلقيتها، هو حقيقة أنهم عادوا إلى الأساسيات؛ الرسم، النحت، لأنه، ولسنوات عديدة، كان لدينا جنون المنشآت، وبعضها كان تقريبا مضحكًا. بنظري هؤلاء ايديولوجيو فن وليسوا بفنانين.
عبر الرسم والنحت والتركيب والتصوير تكلّمت وعبّرت واحتجّت هذه الأصوات الجديدة التي درست الفنون الجميلة ولها تكوين أكاديمي في السّمعي البصري وتاريخ الفن. إحدى عشرة طاقة شابة أبت إلا أن تشارك المتلقي عالمها وبحثها الوجودي المتواصل لفك شيفرة موقع الانسان بمجتمعاتنا الحديثة، فالفنانة مونية دادي تفكك مفهوم الازدواجية ببعدها الاختلافي في تمثيل الحالة البشرية اذ تظهر لنا الثنائية المتناقضة في لقاء بين الانا والانا المتضخم في حوار جواني يعكس عن مانوية الذات ممزقة بين المثالية والواقعية الفجة لتحيك استنتاجًا: الذات متشائمة في مرمى المتفائلين إذن هي مثالية بتطرف.
فيما تضعنا شخوص الفنان إلياس الحداوي في حالة خمول مستسلم بالنظر للكائنات المقرفصة معنويا سواء كانت في وضعية جلوس او وقوف تستند بهيئات ظلية في انتظارية رخوة.
أما الفنان حمودة موزونة فيبرر دقات الريشة السوداء أنها تجلب الأمل بالسعي نحو النور لمعاكسة الجانب المظلم، بل والمرعب الذي يلفنا به شبح الموت الذي هو الوجه الحتمي للحياة والذي وهو ما يجعل وجودنا مأساويًا وثمينا في آن.
فيما يعرض الفنان سعد نزيه سلسلة من المنمنمات تعيد صياغة فهم لما هو عليه المجتمع والممارسات والسلوكات التي تمارس بناء على وعي جمعي بالٍ، وهي دعوة ضمنية لإثارة فضول المتلقي لتحضير آلية التفكير في القيم المعروضة ضمن نسق المجتمع المعاصر.
بينما يناجي التشكيلي نور الدين وارحيم أصوله الامازيغية بمواد متجذرة في جذوره من التربة وبذور الشعير واللحاء وجدوع الأشجار ليقارب بلاستيكيًا حمولة رمزية لهوية وجود.
تطارد التشكيلية صابرين لحرش ذاكرتها الطفولية مستمدة إلهامها من لحظات سعيدة داخل أسرة متواضعة. تعيد النظر في الصور الذهنية الراسخة في ذاكرتها على شكل صور ورسومات ونقوش وتركيبات تقفز منها آلة الخياطة الخاصة بوالدتها انبهارها بالإبر ومكبات الخيوط والأقمشة الجميلة والأوراق التي أعادت تفسيرها بطريقة مختلفة. من خلال إعادة رسمها أو تشابكها للوصول إلى أشكال وتركيبات جديدة، توثق لفلاشات فرحة من ماضي الذاكرة.
أما الفنانة مريم آيت تغاديرت تعالج قضية المرأة ومكانتها في مجتمعنا شخصياتها الانثوية ترزح تحت انعدام الأمان العاطفي والاجتماعي، تكشفها آثار التعنيف البادية على ملامحها. فيما يظهر شغف الفنانة حسناء الورغة بالتصوير الفوتوغرافي التناظري بالأبيض والأسود، تتسم أعمالها بتجريبية تراوح بين التعرض المزدوج إلى التصوير الفوتوغرافي والمسح الضوئي، كتعبير عن تحديث دائم للماضي والماضي البعيد؛ ذكريات فائتة تنقض على الحاضر بعلامات لم يتمكن الزمن من محوها.
جماليات الخوف والكارثة هو العنوان الذي اتخذته أميمة سوالي أبو زيد وتعتبره نهجا فنيا يضم حقولا شعرية تتوزع بين الفلسفي والنفسي والعلمي. هذه التوليفة الهجينة دليل حدسها بالجانب العقلاني لشعور الخوف الذي يلبس الكائن: الخوف من المجهول والخوف من الرفض والخوف من الموت.
التقطت الفنانة ايناس المنصوري بعدستها عبر تقطيعات منفصلة لتجميعها في لوحة بصرية الصحون اللاقطة بسطوح أفقر حي هامشي بالعاصمة الرباط حيث تنعدم أريحية الرؤية في الأفق الممتد، تهفو أن تتحول كتيبة الصحون هاته إلى حقل لزهور عباد الشمس يسافر بأصحابها لرحلة خارج الحدود وأبعد من ضيقهم.
أما الفنانة ياسمين حدني فتسعى لخلق صورة تصمد أمام اختبار الزمن. وهو عرض مسرحي عائلي بملحقاته ومفرداته إبان الافراح أو الاقراح تنكشف في بعض الأحيان في وقت واحد. فالكائنات البشرية غير ثابتة على حال وهي في تحول متواصل.