مواقع استعارية

ضمن انعدام الالتزام العام للمعرض المركزي في فينيسيا هذا العام، يزور آفي لوبين ثلاثة مشاريع هامة ولافتة للانتباه، تقترح مواقع استعارية وفضاءات للتجريب والتعاون.

Advertisement

1.كتب الكثير عن "فاوست" عمل آن إيمهوف (Imhof) في الجناح الألماني في جرديني الذي كانت قيّمته توزانا فيفر (Pfeffer) إيمهوف، والحائزة على جائزة الاسد الذهبي للجناح المتفوق، فأنتجت عرضا طوله نحو 4 ساعات. لقد تبلور العمل على امتداد سبعة اشهر كمحادثة بمشاركة عدة اشخاص مع عارضين من خلفيات مختلفة – موسيقى، فن تشكيلي، رقص، فلسفة، وقانون. وهي تطلب من المشاهدين المثابرة والصبر، وتشدد على عدم انتاج مبنى واضح لتطور او ذروات لامعة، بل تسعى الى ابقاء المشاهدين في حالة من الانتظار المتأهب لشيء سوف يحدث. على الرغم من ذلك، يحمل العمل بداية ونهاية، مدة ومبنى، حتى لو أن إيمهوف تفضل رؤيته بوصفه صورة وليس مسرحًا.

 

IMG_1246.JPG

اليزا دوغلاس وهنري دوغلاس من: آن  إيمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57 تصوير: تومر سبير
اليزا دوغلاس وهنري دوغلاس
من: آن إيمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57

تصوير: تومر سبير

IMG_1257.JPG

بيلي بولثيل من: آن  إيمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57 تصوير: تومر سبير
بيلي بولثيل
من: آن إيمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57

تصوير: تومر سبير

 

يدخل معظم المشاهدين، بسبب الطوابير الطويلة، الى فضاء العرض في مراحل متأخرة من العرض (ومعظمهم لا يبقون حتى نهايته بل يمكثون وقتا قصيرا مواصلين دربهم). أما من يحظون بالدخول الى هذا الفضاء قبل بدء العرض فيلتقون العارضين في اوضاع ثابتة، مموضعين في فضاء المكان. قسم منهم يقف على رفوف زجاجية معلقة من الجدار وانظارهم جميعا زجاجية جامدة. في احد اطراف الفضاء، على مرتفع عال جدا يقف بيلي بولثيل (Billy Bultheel),  وهو موسيقي وفنان عرض. مقابله في الطرف الثاني تقف ايما دانيئيل (Emma Daniel),  وهي راقصة ومصممة رقص تقف ايضا على ارتفاع عال. وكلاهما يطل من الاعلى كالحراس او كمن يكمن قبل القيام بفعل مما يجعل حضورهما قويا ومهددا.

 

IMG_1296.JPG

آن  إيمهوف، 2017 (منظر تنصيب)
آن إيمهوف، 2017 (منظر تنصيب)
الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57

تصوير: تومر سبير

IMG_1294.JPG

بيلي بولثيل وجون جونسون
بيلي بولثيل وجون جونسون
الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57

تصوير: تومر سبير

 

الفضاء نفسه يتراوح ما بين النحت، المعمار والديكور. تقوم إيمهوف بتشويش نسَبه الحيّزية. فقد بنت مصطبة زجاجية بارتفاع حوالي المتر فوق المصطبة الاصلية للمبنى، مما غيّر النسب بين الفضاء وبين الحضور الانساني فيه.
تحت هذا الزجاج يمكن رؤية أسرّة مرتجلة، هواتف نقالة، ضمادات، قفازات ملاكمة، مقاليع، غيتار الكتروني وزجاجات ماء. يجري قسم كبير من افعال العارضين، هناك لاحقا، تحت المصطبة وتحت ارجل المشاهدين. وعلى عدد من الجدران هناك كتابات ورسومات أنتجت في الأشهر الاخيرة، منذ افتتاح البينالي، كأثر لما سبق ان كان في الايام الاخيرة وكعلامة على ما قد يحدث في الساعات القريبة. في احدى الغرف الجانبية ماسورة ماء، وفي غرفة اخرى مكبر صوت، بينما تفصل جدران زجاجية بين الغرف.

 

IMG_1403.JPG

ايما دانيئيل وبيلي بولثيل من: آن ايمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57
ايما دانيئيل وبيلي بولثيل
من: آن ايمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57

تصوير: تومر سبير

IMG_1335.JPG

بيلي بولثيل، جون جونسون، فرانسيس كيابريني وعناد معروف من: آن ايمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57
بيلي بولثيل، جون جونسون، فرانسيس كيابريني وعناد معروف
من: آن ايمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57

تصوير: تومر سبير

IMG_1267.JPG

هنري داغلاس من: آن ايمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57 تصوير: تومر سبير
هنري داغلاس
من: آن ايمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57

تصوير: تومر سبير

 

أشبه بآخرين سبقوها، سعت  إيمهوف الى التعقيب على التاريخ الاشكالي للجناح (ولألمانيا عموما) بواسطة تناول التصميم المعماري للمبنى. بالإضافة الى رفع المصطبة قامت بإغلاق المدخل الاصلي للجناح بجدار زجاجي، هو أشبه بحاجز جغرافي يحدد حدود المبنى ويسمح لها بإنتاج فصلٍ بين ما في الداخل وما في الخارج، ولكن بدون حجب الرؤية. تاريخ المبنى معروف وسبق ان شكل ارضا خصبة لأعمال غير قليل من الفنانين الذين عرضوا فيه. عام 1909 تم بناء الجناح البافاري بنمط نهضوي حديث (نيو-رينيسانسي) متماثل. في واجهته أعمدة أيقونية وفي مركزه تصميم ثلاثي يقود الى فضاء عرض بأسقف عالية، وفيه ثلاثة مخارج الى ثلاث غرف جانبية. وسرعان ما تحول الجناح الى جناح الامبراطورية الالمانية. بعد زيارة هتلر وغيبلز للبينالي عام 1938، تم تغيير المبنى الى حد كبير. فقد تم توسيعه واضيف اليه محراب نصف دائري وسّع من الفضاء المركزي واستبدلت المصطبة الخشبية بالرخام. التغيير الاهم كان في الواجهة: فبدلا من سلسلة الأعمدة التاريخية، تم بناء اعمدة عملاقة كُتب فوقها Germania وهو الاسم الذي اطلقه هتلر على برلين النازية. بعد الترميم حظي المبنى المتماثل ذو الخطوط النيو-كلاسيكية، بحضور هائل داخل مساحة الجارديني. في بينالي العام 1933 تطرق هانس هاكيه(Haacke) الى هذا التاريخ الاشكالي، حيث كشف جذور المبنى وعلاقته بألمانيا النازية، فكسر المصطبة الرخامية وكتب على الجدار بحروف كبيرة كلمة GERMANIA وعلق على المدخل صورة هتلر حين جاء لزيارة الجناح. 

 

IMG_1383.JPG

من: آن ايمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57
ايما دانيئيل، ميكي ماهار وليئا وولش
من: آن ايمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57

تصوير: تومر سبير

IMG_1356.JPG

من: آن ايمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57 تصوير: تومر سبير
من: آن ايمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57

تصوير: تومر سبير

IMG_1285.JPG

من: آن ايمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57
ايما دانيئيل
من: آن ايمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57

تصوير: تومر سبير

 

إن تناول إيمهوف لهذا التاريخ مرمّز ومخفف بدرجة أقل. فاختيار إغلاق الواجهة واستخدام مواد مثل الزجاج والفولاذ المتماهيين مع الحداثة والنمط الكوني، يردد صدى الاقتراح الذي قدمه عام 1957 ارنون بودي(Bode) ، مؤسس دوكومنتا كاسل، اذ اقترح هدم المبنى القائم وبناء مبنى آخر مكانه بحيث يخفي الحضور الفاشي. وهي بدورها تردد صدى الانشاء الذي عرضه في الجناح الفنان الانجليزي ليآم جيليك(Gillick) في بينالي 2009. لقد انتج جيليك اساسا خشبيا طويلا وفيه خزائن حفظ، رفوف وادراج، امتد من اقصى الجناح الى اقصاه، من خلال كسر التقسيمة القائمة فيه. هذا الاساس استند الى "مطبخ فرانكفورت" وهو نموذج حداثوي للمطبخ الذي صممته المصممة النمساوية مرجاريت شيتا-ليهوتسكي (Schütte-Lihotzky) عام 1926. وتحول الى نموذج محاكاة رئيسي لتصميم المطبخ الحديث وكان له تأثير جدي على عمل النساء العاملات في القرن العشرين.

تستخدم إيمهوف رموزا ومراجع إضافية: مثلا، عنوان العمل "فاوست" يذكر بالعمل الأدبي الشهير لـ غوته عن فاوست الذي باع روحه للشيطان كي يفوز بشباب ابدي. من الناحية اللغوية، بالألمانية، معنى العنوان هو القبضة المشدودة – رمز للمقاومة والثورة ولكن ايضا للعنف والفاشية. مثال آخر هو الملابس، فعلى الرغم من ان غالبيتها يومية اعتيادية تعكس الذائقة الشخصية للعارضين، يبرز استعمال زي "بايرين ميونيخ" وهو نادي رياضي الماني عرف بمقاومته لألمانيا النازية، وترمز "ماركته" الى مناهضة الفاشية.

 

IMG_1347.JPG

من: آن ايمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57
عناد معروف وكاتيا تشرنفا
من: آن ايمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57

تصوير: تومر سبير

IMG_1341.JPG

من: آن ايمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57
ميكي ماهار
من: آن ايمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57

تصوير: تومر سبير

IMG_1363.JPG

من: آن ايمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57
ميكي ماهار
من: آن ايمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57

تصوير: تومر سبير

 

مع ذلك فان عمل إيمهوف يتجاوز كثيرا استخدام الرموز والاشارات. فعلى امتداد اربع ساعات يتغلغل العمل مخترقا شرخا ضيقا يأخذ بالاتساع والتعمق. العارضون يتحركون في الفضاء اشبه بالمدمنين، المراهقين الغاضبين، اللاجئين الذين ينعمون على فرشات مرتجلة، عارضي الازياء الذين يمشون على مسار العرض، جيش من الزومبي. فهم يزحفون، يتسلقون، يقفون دون القيام بشيء، ينظرون الى الهواتف النقالة، يشعلون النار تحت المصطبة الزجاجية، يتصارعون، يمشون بوتيرة بطيئة، يرشقون الماء، يغنون، يرقصون، يرسمون على الجدار، يمشون ويستلقون. مرة كل مدة من الوقت يتحركون بشكل يقسم الفضاء ويشدد الحدود ما بين المشاهدين وما بين الحدث، في حين يمشون بحزم وبأيدٍ ممدودة الى الجانبين على شكل صليب، يقسمون الفضاء منتجين مسارًا للمشي. في لحظة معينة، يقوم ميكي ماهار (Mickey Mahar), وهو راقص وعارض، بإلصاق رأسه من الاسفل بالمصطبة الزجاجية، ويلعقها بلا مبالاة، ليخلق شعورا من عدم الارتياح لدى مجموعة نساء جالسات على المصطبة.

في لحظات أخرى يشق الفضاءَ صوتُ اليزا دوغلاس (Eliza Douglas) وهي فنانة، موسيقية، وعارضة ازياء. غناؤها رقيق لكنه صناعي – معدني، يتسلل لكنه مغترب ليملأ الفضاء. من وقت الى آخر تظهر ايماءات من الرأفة: يلتصق العارضون في لحظات معينة الواحد بالآخر، وينكمشون الواحد داخل جسد الآخر. في لحظة اخرى تطل أصابع الفنان عناد معروف(Enad Marouf) ، مثل عارضين آخرين، من خلال المصطبة الزجاجية. لقد بني العرض طبقة فوق اخرى. وهو يلزمنا بالاستجابة المزدوجة وارجاء الشك، لو استخدمنا المصطلح الذي وضعه الشاعر والفيلسوف الانجليزي صموئيل تيلور كولريدج. الحدود والعلاقات ما بين العارضين والمشاهدين تأخذ بالتبلور والتشكل. على امتداد الساعات الاربع يتراكم التوتر. والمشاهدون الموجودون في الخارج ايضا، ينتظرون الدخول ويتلصصون من خلال الجدار الزجاجي الذي يسد المدخل الرئيسي، مساهمين برفع درجة التوتر.

 

IMG_1309.JPG

عناد معروف من: آن ايمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57 تصوير: تومر سبير
عناد معروف
من: آن ايمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57

تصوير: تومر سبير

IMG_1295.JPG

من: آن ايمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57
بيلي بولثيل، ميكي ماهار، جون جونسون، فرانسيس كيابريني
من: آن ايمهوف، فاوست، 2017، الجناح الألماني، بينالي فينيسيا الـ 57

تصوير: تومر سبير

 

2. خارج اطار النشاطات الرسمية للبينالي يعرض في  (Fondazione Prada)  معرض "السفينة تدلف والقبطان كذب"  (The Boat is Leaking. The Captain Lied.). وهو مشروع مشترك لقيّم المعرض اودو كيتلمان (Kittelmann)  وثلاثة فنانين ألمان من أجيال مختلفة يأتون من مجالات عمل متنوعة: المخرج السينمائي والكاتب الكسندر كلوغ (Kluge),  الفنان توماس ديماند (Demand)  ومصممة الديكور والملابس آنا فيبروك. (Viebrock). 

 

Fondazione Prada_The Boat is Leaking_5.jpg

منظر تنصيب لـ "السفينة تدلف والقبطان كذب". (قيّم: أودو كيتلمان)، فوندتسيونا برادا، فينيسيا
منظر تنصيب لـ "السفينة تدلف والقبطان كذب". (قيّم: أودو كيتلمان)، فوندتسيونا برادا، فينيسيا
آنا فيبروك، منصة، 2017؛ في التلفزيون ألكسندر كلوغ Terror = Furcht und Schreckenالارهاب=خوف ورعب)، 2017

تصوير: دلفينو سيستو لغناني وماركو كبليتي. بلطف فوندتسيونا برادا

Fondazione Prada_The Boat is Leaking_8.jpg

منظر تنصيب لـ "السفينة تدلف والقبطان كذب". (قيّم: أودو كيتلمان)، فوندتسيونا برادا، فينيسيا
منظر تنصيب لـ "السفينة تدلف والقبطان كذب". (قيّم: أودو كيتلمان)، فوندتسيونا برادا، فينيسيا
من اليسار لليمين: توماس ديماند، مجموعة نجوم، 2000؛ آنا فيبروك، أبواب، 2017؛ توماس ديماند، أرشيف، 1995

تصوير: دلفينو سيستو لغناني وماركو كبليتي. بلطف فوندتسيونا برادا

 

سعى كيتلمان الى إنتاج منظومة مفتوحة، ما يشبه اطار للتعاون الرمزي بين الفنانين الثلاثة، موقع استعاري وفضاء للتجريب تم بناؤه انطلاقا من محادثات ولقاءات بين المشاركين والقيّم. الاقتباسات والهوامش الداخلية بين الرسومات، الافلام، الصور، المواضيع والعناصر المعمارية تنتج معا مشروعا مشتركا، فضاء منغمسًا. وعلى الرغم من ذلك فان المعرض ينجح في الحفاظ على اللغة الخاصة وعلى التميز الواضح لكل واحد من الفنانين بحيث لا تندمل الاعمال ضمن التنصيب العام.

 

Fondazione Prada_The Boat is Leaking_3.jpg

منظر تنصيب لـ "السفينة تدلف والقبطان كذب". (قيّم: أودو كيتلمان)، فوندتسيونا برادا، فينيسيا من اليسار: أنغلو موربيلي 1882-83  Giorni…ultimi!,  تصوير: دلفينو سيستو لغناني وماركو  كبليتي. بلطف فوندتسيونا برادا
منظر تنصيب لـ "السفينة تدلف والقبطان كذب". (قيّم: أودو كيتلمان)، فوندتسيونا برادا، فينيسيا
من اليسار: أنغلو موربيلي 1882-83 Giorni…ultimi!,

تصوير: دلفينو سيستو لغناني وماركو كبليتي. بلطف فوندتسيونا برادا

Fondazione Prada_The Boat is Leaking_29.jpg

منظر تنصيب لـ "السفينة تدلف والقبطان كذب". (قيّم: أودو كيتلمان)، فوندتسيونا برادا، فينيسيا
منظر تنصيب لـ "السفينة تدلف والقبطان كذب". (قيّم: أودو كيتلمان)، فوندتسيونا برادا، فينيسيا
آنا فيبروك؛ , Pio Albergo Trivulzio, 2017 على الشاشات: ألكسندر كلوغ، برنامج أفلام على 16 تابليت؛ على الجدار، توماس ديماند Attraktion (جاذبية)، 2013

تصوير: دلفينو سيستو لغناني وماركو كبليتي. بلطف فوندتسيونا برادا

 

"الأيام الأخيرة" (Giorni ultimi) هو عنوان عمل الرسام من القرن التاسع عشر انجلو موربيلي (Morbelli) والذي كان إلى حد بعيد بسبب التأويل المخطوء نقطة انطلاق المعرض. فاللوحة تظهر مجموعة من المسنين المُعدمين جالسين على مقاعد بجانب صف من الطاولات الضيقة والطويلة في بيت مسنين في ميلانو. المشاركون في المعرض ظنوا خطأ ان هؤلاء بحارة مسنون متقاعدون يقضون أيام التقاعد في فندق. وقد انتج هذا الخطأ الاستعارة البحرية للمعرض. لاحقا أضيف العنوان المأخوذ من قصيدة ليونارد كوهين Everybody Knows وكذلك عمل ديماند الشهير Pacific Sun من العام 2012، والذي يستعيد بواسطة انتاج نموذج ورقي وتصويره من جديد. وهو مشهد صورته في الاصل كاميرا للحراسة في سفينة لهو خلال عاصفة عاتية في المحيط الهادئ.

يقام المعرض في ثلاثة طوابق في (Palazzo Ca’ Corner della Regina) في الطابق الاول يعرض فيلم كلوغ Die sanfte Schminke des Lichts تجميل خفيف للضوء من العام 2007. كلوغ المولود عام 1932 هو سينمائي وكتابي بارز، يستخدم العاب الاضاءة لكشف التلاعب والخداع في السينما. من جانبي البث هناك بابان لمداخل مقفلة، الاول يقود الى لوبي الفندق. فوق الباب بأضواء نيون يظهر العنوان Hotel والثاني يتجه نحو البار. فوق الباب اضواء نيون كتب العنوان Safari، وهو عمل فايبروك “Four Doors” وفي داخل الفضاءات التي لا يمكن دخولها تم تعليق لوحات لديماند.

 

Fondazione Prada_The Boat is Leaking_20.jpg

منظر تنصيب لـ "السفينة تدلف والقبطان كذب". (قيّم: أودو كيتلمان)، فوندتسيونا برادا، فينيسيا
منظر تنصيب لـ "السفينة تدلف والقبطان كذب". (قيّم: أودو كيتلمان)، فوندتسيونا برادا، فينيسيا
آنا فيبروك، "أربعة أبواب" 2017؛ على الجدار: توماس ديماند Daily #29 (يومي #29), 2016

تصوير: دلفينو سيستو لغناني وماركو كبليتي. بلطف فوندتسيونا برادا

Fondazione Prada_The Boat is Leaking_30.jpg

منظر تنصيب لـ "السفينة تدلف والقبطان كذب". (قيّم: أودو كيتلمان)، فوندتسيونا برادا، فينيسيا
منظر تنصيب لـ "السفينة تدلف والقبطان كذب". (قيّم: أودو كيتلمان)، فوندتسيونا برادا، فينيسيا
آنا فيبروك، , Media system shelf (رف شبكة ميديا)، 2017؛ على الشاشة: ألكسندر كلوغ Stummfilm mit zwei O-Tonteilen " (فيلم صامت مع مقطعين صوتيين)، 2017؛ على الجدار: توماس ديماند Kontrollraum (خرطوم رقابة) 2011

تصوير: دلفينو سيستو لغناني وماركو كبليتي. بلطف فوندتسيونا برادا

 

النمط المعماري الباروكي للقصر الواقع في فينيتسيا يبرز جدا في المعرض (أعمدة، زخرفات جبص وسلالم). هذا المعرض يطرح تحديا امام تقسيمة الادوار بين القيّم والفنانين ويموّه الحدود لدى كل فنان لكنه ينتج ايضا فضاءً يسعى الى نسيان الفصل بين الواقع والوهم انطلاقا من مطلب ارجاء الشك(suspension of disbelief)..

الطابق الثاني يفتتح بفضاء انتقالي، لوبي متعدد الابواب. تعدد الابواب وامكانيات الانتقال تشكل عنصرا مركزيا في الطابقين العلويين ويوفر حرية لكل مشاهد بان ينتج لنفسه مسارا ليعايش المعرض بشكل مختلف ويبلور قصة اخرى بشأنه. هذه الطوابق مبنية كمنظومة من الفضاءات الاستعارية فضاءات أخطبوطية متعددة الطبقات مثل قاعة سينما، غاليري، قاعة محكمة او مسرح.هذه عمليا سلسلة من الانشاءات المسرحية المضبوطة لآنا فايبروك والتي تشكل أيضا إطارا لعرض اعمال ديماند وكلوغ. ومن جهتها تردد صدى البيئات التي تم وضعها فيها ، تعقب عليها وتتحداها. وهكذا فان الفضاءات التي تظهر في فيلم، صورة او لوحة تعود لتظهر في انشاءات فايبروك وبالعكس. في "جاليريا" (وهو عمل فايبروك Exhibition Room من العام 2017) مثلا يتم عرض لوحات لموربلي بما فيها اللوحة التي اطلقت كل السيرورة؟ بالغرفة المجاورة هناك انشاء آخر لفايبروك , Pio Albergo Trivulzio وفي مركزه مقاعد وطاولات طويلة كالتي في اللوحة. وتوضع على الطاولات 16 جهاز تابليت تعرض برنامج افلام لكلوغ وعلى الجدار المقابل صورة كبيرة لديماند بعنوان Attraktion (جاذبية) من العام 2013.

 

Fondazione Prada_The Boat is Leaking_4.jpg

منظر تنصيب لـ "السفينة تدلف والقبطان كذب". (قيّم: أودو كيتلمان)، فوندتسيونا برادا، فينيسيا
منظر تنصيب لـ "السفينة تدلف والقبطان كذب". (قيّم: أودو كيتلمان)، فوندتسيونا برادا، فينيسيا
آنا فيبروك،, Courtroom (قاعة محكمة), 2017; على الشاشة: ألكسندر كلوغ Audiopassages (نقلات صوتية) 2017؛ على الجدار توماس ديماند Klause IV (Tavern IV), 2006

تصوير: دلفينو سيستو لغناني وماركو كبليتي. بلطف فوندتسيونا برادا

Fondazione Prada_The Boat is Leaking_7.jpg

منظر تنصيب لـ "السفينة تدلف والقبطان كذب". (قيّم: أودو كيتلمان)، فوندتسيونا برادا، فينيسيا
منظر تنصيب لـ "السفينة تدلف والقبطان كذب". (قيّم: أودو كيتلمان)، فوندتسيونا برادا، فينيسيا
آنا فيبروك، بدون عنوان، 2017؛ على الجدار توماس ديماند Folders (ملفات)، 2017

تصوير: دلفينو سيستو لغناني وماركو كبليتي. بلطف فوندتسيونا برادا

Fondazione Prada_The Boat is Leaking_13.jpg

منظر تنصيب لـ "السفينة تدلف والقبطان كذب". (قيّم: أودو كيتلمان)، فوندتسيونا برادا، فينيسيا
منظر تنصيب لـ "السفينة تدلف والقبطان كذب". (قيّم: أودو كيتلمان)، فوندتسيونا برادا، فينيسيا
من اليمين: توماس ديماند، باتيو، 2014

تصوير: دلفينو سيستو لغناني وماركو كبليتي. بلطف فوندتسيونا برادا

 

في عمل آخر لفيبروك تقوم بإنتاج "قاعة محكمة" هي عمليا استعادة لقاعة المحكمة من فيلم فلوغ "وداع الامس" (Abschied von gestern) من العام 1965. هذا الفيلم المعروض في الفضاء المجاور ("السينما") يروي قصة امرأة شابة هربت من شرق المانيا الى غربها، سرقت قميصا صوفيا وقدمت للمحكمة. في قاعة المحكمة لدى فايبروك يمكن للمشاهد ان يجلس في موقع القاضي او في موقع المتهمة ووضع نفسه في كل من المنظورين. في فضاء العمل تم تعليق لوحتي ديماند - Tavern II و Tavern IV من سلسلة تعود الى العام 2011 وتصف بالتقنية نفسها المتمثلة بإنتاج نموذج وتصويره، مشربا في القرية الالمانية باربوخ (Burbuch) والتي خطف فيها طفل احتجز كرهينة ثم قتل. صورة المشرب تحولت في الذاكرة الجماعية الالمانية الى مماثل للفعل العنيف.

3.في إطار نشاطات ما حول البينالي يعرض في فضاء لوي فويتون (Espace Louis Vuitton) العمل المعروف لبيير هويدج (Huyghe) بعنوان A Journey that Wasn’t (رحلة لم تكن) من العام 2005. والذي احتل مكانة هامة في تاريخ الفن المعاصر.
التنصيب في فضاء لوي فويتون يصعّب قليلا على التواصل مع العمل. فالالتصاق ما بين فضاء العرض والسكان، وحقيقة انه لا يوجد فصل مطلق بينهما يؤدي الى تشويش غير قليل. فمثلا خلال زيارتنا للموقع جاءت الى الدكان امرأتان توقفتا لإلقاء نظرة خلال زيارة الموقع. احداهما نامت خلال عدة دقائق بينما كانت زميلتها تتحدث في الهاتف المحمول بصوت عال طيلة وجودها في هذا الفضاء، متجاهلة طلبات الزوار الاخير بالخروج او انهاء المحادثة. على الرغم من ذلك هذه فرصة أخرى لرؤية عمل فويدج الممتاز.

 

Pierre Huyghe - Collage.jpg

بيير هويدج (Huyghe)  (رحلة لم تكن)، 2005
بيير هويدج (Huyghe) (رحلة لم تكن)، 2005

 

بعثة مؤلفة من سبعة فنانين وعشرة أعضاء طاقم من ميناء اوشوايا (Ushuaia)  عاصمة مقاطعة تييرا ديلفواغو في جنوب شرق الارجنتين، للبحث عن كائن غامض هو بطريق امهق ووحيد، يعيش وفقا للشائعات على جزيرة لا تشير اليها الخرائط في الدائرة القطبية الجنوبية، والتي انكشفت بسبب انحسار الجليد. بعد الافتتاحية يدمج الفيلم ما بين حدثين: صور الرحلة (مشاهد قطبية، السفينة التي خرجت الى الرحلة والطاقم الذي يعمل في ظروف قاسية)، واستعادة هذه الرحلة كعرض ضوئي صوتي متطور في حلبة للتزلج على الجليد في سنترال بارك في نيويورك. هذا المشهد الذي يلفه الدخان في سنترال بارك يضيف للعمل طبقة من الخيال العلمي. قبيل نهاية الفيلم يظهر ذلك الكائن الخيالي – البطريق الامهق – وهو موضوع الرحلة. يضع فويدج في فضاء العرض ايضا تحنيطًا لذلك الكائن معلقا بشكل مقلوب من السقف. العمل يتناول بشكل مركب العلاقات ما بين الحقيقي والخيالي؛ الوثائقي والوهمي؛ بين البعثة التي خرجت الى رحلة اسمها "رحلة لم تكن" وبين الكائن الوهمي الذي يظهر في الفيلم وفي فضاء المعرض.  من خلال دمج هذين الحدثين في "رحلة لم تكن"، وبواسطة التناقضات بين ما يظهر وبين ما حدث، يسير فويدج ما بين الحقيقة والخيال مقترحا ان الواقع هو غير معقول الى درجة انه لغرض سرد قصته بالشكل الصحيح، يجب سردها كقصة خيالية.

 

 

Huyghe_Journey.jpg

بيير هويدج (Huyghe)  (رحلة لم تكن)، 2005
بيير هويدج (Huyghe) (رحلة لم تكن)، 2005

 

معرض فاوست في الجناح الألماني في جارديني، كجزء من بينالي فينيسيا الـ57، عُرض حتى 26 تشرين الثاني 2017
معرض "السفينة تدلف والقبطان كذب" في فوندتسيونا برادا، فينيسيا، عُرض حتى 26 تشرين الثاني 2017
معرض بيير هويدج (رحلة لم تكن)، في، Espace Louis Vuitton عُرض حتى 26 تشرين الثاني 2017