بعد ثلاثين سنة على اقامته، أطلق بينالي اسطنبول دورته الخامسة عشر مؤخراً والتي عمل على نظمه الفنانان إلمجرين ودراجسيت (Elmgreen & Dragset). العنوان الذي اختاراه للمعرض، "جار حسن" (A Good Neighbor)، يطرح رؤية خاصة حول السياسات العالمية الراهنة، الجغرافيا والأجندة السياسية لتركيا. تعريف "الجيرة" المتعارف عليه، كمجمل العلاقات الاجتماعية بين الأناس الذين يعيشون بالقرب من بعضهم البعض، معروف للجميع إلا أن التكنولوجيا ووسائل الاتصال الاجتماعية في أيامنا هذه تخلق نوعاً جديداً من الجيرة، سريعاً وعاطفياً: القصص تنتشر في رمشة عين وتحول آلاف الناس لجيران بتغريدة واحدة. كان من المثير أن نفحص اذا ما تفاعل المعرض مع هذا التطور الحاصل على مفهوم وتعريف الجيرة وبأية طريقة. في سياق اسطنبول، من المهم أن نذكر هنا أيضاً مصطلح "المنذر" (whistle-blower) الذي نشهد انتشاره المتزايد وسط معارضي الحكم اثر الأجواء السياسية المتوترة في الدولة، حيث تزداد، نتيجة لذلك، ممارسة الضغوط الرامية للإسكات كذلك. عنوان البينالي تحول في نظر المحليين لعمل فني بحد ذاته، ولأن المعرض تعاطى مع الفكرة بكل أبعادها، من أصغرها وحتى أكبرها، فقد عكس لنا كذلك القلق الذي يعيشه جيراننا والنضالات التي يخوضونها.

 

_IEY6692.jpg

بينالي اسطنبول ال-15
بينالي اسطنبول ال-15

تصوير: Ilgin Eraslan Yanmaz

_IEY6908.jpg

بينالي اسطنبول ال-15
بينالي اسطنبول ال-15

تصوير: Ilgin Eraslan Yanmaz

IKSV_15B_Sahirugureren_288_Retouched.jpg

بينالي اسطنبول ال-15
بينالي اسطنبول ال-15

تصوير: Ilgin Eraslan Yanmaz

 

وقد جاء هذا البينالي، مقارنةً بالبينالي الرابع عشر الذي سمي "مياه مالحة" (Saltwater) وانتشر في كل أنحاء المدينة، متواضعاً أكثر. في اطار "جار حسن"، تمت استضافة ستة وخمسين فناناً من دول مختلفة في ستة مواقع قريبة من بعضها البعض. ثلاثة من ضمن هذه شكلت المواقع المركزية للمعرض: متحف اسطنبول للفن الحديث "اسطنبول مودرن" (Istanbul Modern) ومتحف "بيرا" (Pera Museum) عرضا على الزوار تجربة متحفية معروفة أما الثالث، المدرسة الابتدائية اليونانية "جلاطه" (Galata Greek Primary School)، فبرز كموقع ارتبط ماضيه بالمقاومة حتى بدى بأن الأعمال التنصيبية والفنية تطلق صوتها في فضاءه.

المحيط القريب من "اسطنبول مودرن" يمر منذ مدة بعمليات استقطاب (بالانجليزية: Gentrification) ومن المفترض بأن يتم هدم المبنى ابن الثلاثة عشر عاماً (والذي تواجد في مخزن أقيم قبل أكثر من 60 عاماً) كجزء من ترميم الحي واستبداله بمبنى جديد للمتحف الذي انتقل بالوقت الحالي لمكان مؤقت. خلال البينالي، كان بالإمكان لوهلة سماع صوت بوق قادم من بعيد عند مدخل المتحف. سنعود لهذه المعزوفة القصيرة جداً لاحقاً.

 

IKSV_15B_Sahirugureren_155.jpg

بينالي اسطنبول ال-15
بينالي اسطنبول ال-15

تصوير: Ilgin Eraslan Yanmaz

IKSV_15B_Sahirugureren_297_retouched_neu.jpg

بينالي اسطنبول ال-15
بينالي اسطنبول ال-15

تصوير: Ilgin Eraslan Yanmaz

 

عند رؤية طريقة تركيب المعرض في المتحف، على أعماله التنصيبية التي تمتد على مساحات كبيرة وواسعة، تتبادر إلى الذهن، حتى ولو بشكل غير مباشر، أعمال القيّمين إلمجرين ودراجسيت. من مجمل الأعمال، أريد أن أركز بدايةً على جندار فيرتون (Fürtun مواليد 1936، اسطنبول) التي حظيت بمكانة خاصة من نوعها في البينالي من ناحية عرض عملها وأسلوبها الفني. تعمل فيرتون بشكل رئيسي بمادة الطين منذ سنوات الستينات للقرن الماضي. وقد عرضت، كفنانة ريادية، هذه الوسيلة على جمهور جديد بواسطة لغتها الأصلية وخاصةً بواسطة الطريقة التي تصف فيها جسم الانسان. عملها بلا عنوان (1946-1944) يثير في المخيلة مباشرة صورة الحمام التركي أو غرفة الاستحمام إلى أن نفهم بأن الحديث عن سيقان رجال موضوعة بأبعاد متساوية،  سيقان طينية قريبة لكنها لا تلامس بعضها البعض. أجساد تتواجد بجانب بعضها البعض، رجال يجلسون بجانب بعضهم البعض. هذه صورة معروفة جداً تطرح، بتأثير ترابط الأفكار، تساؤلات عن الطريقة الأبوية. احدى السيقان تختلف عن صديقاتها: هناك يد موضوعة عليها، وهي تميز نفسها بذلك عن الأخريات وتمثل علاقاتنا المتبددة مع جيراننا. "أنا أعرض السيقان فقط لأن الفردانية لم تعد تتواجد في العالم الذي نعيش فيه حيث أصبح التوجه التعددي أهم"، تقول الفنانة في احدى مقابلاتها. "فيما مضى، كان هناك معنى لجسدنا ككل، كشيء مميز، أما الآن فكل شيء مقطع ومبتور. مع ذلك، فإن كل القطع المتناثرة ما زالت تشير إلى جسد كامل، ومن خلال عرض السيقان أردت أن أشدد على اختفاء الفردية وعلى الجسد المبتور."

 

 

IKSV_15B_Sahirugureren_179.jpg

جندار فيرتون، بلا عنوان، 1996-1994 طين، 46.5X600X48 سم برعاية الفنانة
جندار فيرتون، بلا عنوان، 1996-1994
طين، 46.5X600X48 سم

برعاية الفنانة
عرض العمل بدعم من SAHA – Supporting Contemporary Art from Turkey
تصوير: Sahir Uğur Eren

IKSV_15B_Sahirugureren_180.jpg

جندار فيرتون، بلا عنوان، 1996-1994
جندار فيرتون، بلا عنوان، 1996-1994
طين، 46.5X600X48 سم

برعاية الفنانة
عرض العمل بدعم من SAHA – Supporting Contemporary Art from Turkey
تصوير: Sahir Uğur Eren

 

 

بعد الانتهاء من عمل فيرتون، وجدت نفسي في أوج صفقة تبادل. على الحائط علقت أغراض أخفي نصفها أو لطخ بدهان أبيض. هذا هو العمل المسمى تراكيب لحدود غير مرئية تراكيب لحدود غير مرئية (Structures for Invisible Borders Structures for invisible borders) لفيتور لجاي (Leguy مواليد 1979، سان باولو).1 لكي يبني العمل التنصيبي، قام الفنان باستبدال أغراض يومية شخصية مع لاجئين من سوريا ومهاجرين عرب في اسطنبول. عمل لجاي التنصيبي يكشف عن اللاجئين والمهاجرين المرئيين وغير المرئيين في تركيا. يمشي المشاهدون خلاله في طرق مكشوفة وخفية على سطح خارطة من الترحال والاقتلاع.

 

IKSV_15B_Sahirugureren_248.jpg

فيتور لجاي، تراكيب لحدود غير مرئية تراكيب لحدود غير مرئية، 2017 (Structures for Invisible Borders Structures for invisible borders)
فيتور لجاي، تراكيب لحدود غير مرئية تراكيب لحدود غير مرئية، 2017 (Structures for Invisible Borders Structures for invisible borders)
أغراض تمت مبادلتها، عنصر، فحم ورصاص على ورق، دهان أبيض

تصوير: Sahir Ugur Eren

IKSV_15B_Sahirugureren_247.jpg

فيتور لجاي، تراكيب لحدود غير مرئية تراكيب لحدود غير مرئية، 2017 (Structures for Invisible Borders Structures for invisible borders)
فيتور لجاي، تراكيب لحدود غير مرئية تراكيب لحدود غير مرئية، 2017 (Structures for Invisible Borders Structures for invisible borders)
أغراض تمت مبادلتها، عنصر، فحم ورصاص على ورق، دهان أبيض

تصوير: Sahir Ugur Eren

 

أكثر موقع أعجبني في البينالي كان المدرسة الابتدائية اليونانية "جلاطه" ولكن كان هناك المزيد من الفنانين الجديرين بالذكر والذين عرضت أعمالهم في "اسطنبول مودرن" مثل ولكان أسلان (Aslan مواليد 1982، أنقرة) ومحمود العبيدي (Obaidi مواليد 1966، بغداد).2 عمل الفيديو ثلاثي القنوات الذي يقدمه أسلان، Home Sweet Home، والذي تتوج صورة مقتطفة منه غلاف كتالوج البينالي، يظهر امرأتين تعيشان في قارب على مضيق البوسفور. أيضاً هذا العمل يخلق علاقة فورية مع ترحال المهاجر والعبء الذي يحمله، هذه المرة بواسطة التلاعب بالزمن والضوء.

.

 

HSH_VideoStillFromTheLeftChannel copy.jpg

ولكان أسلان 2017، Home Sweet Home
ولكان أسلان 2017، Home Sweet Home
فيديو أحادي وثلاثي القنوات، 6 دقائق و- 50 ثانية

برعاية الفنان و- Pi Artworks

HSH_VideoStillFromTheRightChannel copy.jpg

ولكان أسلان 2017، Home Sweet Home
ولكان أسلان 2017، Home Sweet Home
فيديو أحادي وثلاثي القنوات، 6 دقائق و- 50 ثانية

برعاية الفنان و- Pi Artworks

HSH_VideoStillFromTheCenterChannel copy.jpg

ولكان أسلان 2017، Home Sweet Home
ولكان أسلان 2017، Home Sweet Home
فيديو أحادي وثلاثي القنوات، 6 دقائق و- 50 ثانية

برعاية الفنان و- Pi Artworks

 

لوحات محمود العبيدي التي تحمل عنوان "Make War Not Love, Chapter 3" تعتمد على قصة حياة الفنان نفسه. ولد العبيدي في العراق التي تركها عام 1991، وهو يعيش الآن في كندا. ذكرياته ومجموعة رسومه تعيد بناء القصص الثاقبة من العراق كنصب تذكاري جديد. مجموعة أخرى من مجموعاته، "مشروع البيت المحكم" (Compact Home Project)، من الأعوام 2003-2004، عرضت في المدرسة اليونانية "جلاطه" التي سأنتقل اليها فيما يلي.

 

IKSV_15B_Sahirugureren_129.jpg

محمود العبيدي، Make War Not Love, Chapter 3، 2015-2013
محمود العبيدي، Make War Not Love, Chapter 3، 2015-2013
تقنيات مختلطة على قماش، 257X2467 سم

برعاية الفنان
تصوير: Sahir Uğur Eren

IKSV_15B_Sahirugureren_130.jpg

محمود العبيدي، Make War Not Love, Chapter 3، 2015-2013
محمود العبيدي، Make War Not Love, Chapter 3، 2015-2013
تقنيات مختلطة على قماش، 257X2467 سم

برعاية الفنان
تصوير: Sahir Uğur Eren

 

لنعود الآن الى تلك النقطة في "اسطنبول مودرن" حيث سمعنا صوت البوق: هذه اساسات مبنى لم يكتمل بعد. الفنانة الشابة جداً ليديا الرحماني (Ourahmane مواليد 1992، السعيدة بالجزائر) استخدمت قوانين العقارات في بلادها كقاعدة لعملها التنصيبي إلى الأعلى للسماء وإلى الأسفل لأعماق جهنم. حيث وضعت أساسات لمساحة بحجم الحد الأدنى المحدد بالقانون لضمان عدم بيعها أو تحويلها لمكان سكني ونقلتها للمتحف. على سطح الخرسانة التي تصلبت هناك بقعة مياه راكدة صغيرة يسقيها طاقم البينالي بين الفينة والأخرى. رائحة الخرسانة الطازجة الشديدة تتناثر في الهواء. بقعة الماء هي الجانب الشاعري في العمل، مثلها مثل مسحة الفرشاة في اللوحة الكلاسيكية.    

 

IKSV_15B_Sahirugureren_282_retouched.jpg

ليديا الرحماني، إلى الأعلى للسماء وإلى الأسفل لأعماق جهنم، 2017
ليديا الرحماني، إلى الأعلى للسماء وإلى الأسفل لأعماق جهنم، 2017
خرسانة، فولاذ، ماء، بوق منفرد. 280X400X20 سم. بوق منفرد 00:48 دقيقة.

برعاية الفنانة
يعرض بدعم من Jerwood Charitable Foundation
تصوير: Sahir Uğur Eren

 

 

عند الاقتراب من المخرج نصادف فجأة العمل Crowd Fade: ممر فيه رسومات على الجدران ممحية بشكل جزئي وتالفة. يبدو بأن الفنانة لطيفة الشخش (Echakhch مواليد 1974، المغرب)رسمت عالم اليوم على الحيطان. رسومات للمقاومة من مناطق كثيرة في العالم تجتمع سوية لتشكل كولاجاً. القطع المكسرة المبعثرة على الأرض تشهد على اتلاف ومحو الرسومات. 

 

IKSV_15B_Sahirugureren_185.jpg

ليطفة الشخش، Crowd Fade، 2017
ليطفة الشخش، Crowd Fade، 2017
ليطفة جدارية، 365X2028X136 سم كل جهة

برعاية الفنانة، جاليريا كامل مينور (باريس)، جاليريا كاوفمان رفتو (ميلانو)، جاليريا آفا فرسنهوفر (زيورخ) وجاليريا دفير (تل أبيب)
أنتج بالشراكة مع Pro Helvetia والمعهد الفرنسي للثقافة. يعرض بالشراكة مع جاليريا كميل منور، جاليريا كاوفمان رفتو، جاليريا آفا فرسنهوفر وجاليريا دفير
تصوير: Sahir Uğur Eren

IKSV_15B_Sahirugureren_347.jpg

ليطفة الشخش، Crowd Fade، 2017
ليطفة الشخش، Crowd Fade، 2017
ليطفة جدارية، 365X2028X136 سم كل جهة

برعاية الفنانة، جاليريا كامل مينور (باريس)، جاليريا كاوفمان رفتو (ميلانو)، جاليريا آفا فرسنهوفر (زيورخ) وجاليريا دفير (تل أبيب)
أنتج بالشراكة مع Pro Helvetia والمعهد الفرنسي للثقافة. يعرض بالشراكة مع جاليريا كميل منور، جاليريا كاوفمان رفتو، جاليريا آفا فرسنهوفر وجاليريا دفير
تصوير: Sahir Uğur Eren

IKSV_15B_Sahirugureren_346.jpg

ليطفة الشخش، Crowd Fade، 2017
ليطفة الشخش، Crowd Fade، 2017
ليطفة جدارية، 365X2028X136 سم كل جهة

برعاية الفنانة، جاليريا كامل مينور (باريس)، جاليريا كاوفمان رفتو (ميلانو)، جاليريا آفا فرسنهوفر (زيورخ) وجاليريا دفير (تل أبيب)
أنتج بالشراكة مع Pro Helvetia والمعهد الفرنسي للثقافة. يعرض بالشراكة مع جاليريا كميل منور، جاليريا كاوفمان رفتو، جاليريا آفا فرسنهوفر وجاليريا دفير
تصوير: Sahir Uğur Eren

 

عمل الشخش هو أحد أقوى الأعمال في البينالي لأنه يساهم في فهم السهولة التي تتحول فيها قصة مقاومة في أيامنا لتجربة جماهيرية بواسطة وسائل الاتصال الجماهيرية. التكنولوجيا الحديثة تسمح بمشاهدة نشاطات احتجاجية في سان باولو على شاشة الهاتف النقال بينما نجلس في البيت باسطنبول، او نقل صور من ساحات المعارك ببث مباشر. الشخش تستخدم من أجل ذلك قصة مظاهرة تجري في أماكن مختلفة من العالم وتبين بأنه على الرغم من البعد الفيزيائي فإن جميعها تجري بشكل مشابه وفي نفس الوقت.

موقع البينالي المركزي التالي، متحف "بيرا" (Pera) يستعرض أعمالاً لفنانين معتبرين من أنحاء العالم مثل فريد ويلسون، لويز بورجوا وبرليندا دي برويكر (De Bruyckere)، ذلك إلى جانب دعوة الزوار لمشاهدة مجموعة المتحف مجاناً. فاجيكو تشتشخياني (Chachkhiani مواليد 1985، تبليسي في جورجيا) هو فنان رائع عرض سابقاً في الجناح الجورجي في بينالي فينيسيا عام 2017. في عمل الفيديو الحالي، مسار حياة (Life Track)، من سنة 2015، تظهر شخصية غير معروفة وهي تنظر إلى المتفرجين أو ربما العكس. في الفيديو الذي أعده تشتشخياني يظهر شباك مؤسسة تمريضية من الخارج، ويشير إلى مسار حياة يقترب من نهايته: لم يكن بوسعي ألا أفكر في الطريق التي نستطيع من خلالها التأثير على حياة بعضنا البعض. بإمكاننا أن نجد جيراننا بسهولة عبر البحث على "جوجل" أو ايجاد صفحاتهم على "تويتر"، "فيسبوك" أو "انستجرام"- كل ما علينا فعله هو فحص الأسماء المسجلة بجانب الجرس على مدخل البيت. بنفس السهولة، من الممكن بأن ننكشف نحن بأنفسنا على يد غرباء. هذا على افتراض بأننا سنجد اسماً ما بجانب الجرس، فالجميع مذعورون بدرجة كبيرة الآن.. التدفق الحر للمعلومات هو أمر جيد ولكن ما يحصل بالتوازي مع ذلك هو ارتفاع بمستوى الارتياب يمنعنا من التواصل مع الناس في الشارع أو في المبنى الذي انتقلنا اليه للتو. الروابط، القصص التي شهدنا عليها ومخاوفنا المتضخمة (حتى عندما تستخدم بهدف الدفاع عن النفس) تحد من العلاقات المتبادلة لا سيما وأننا نقوم بشكل غير واع بافتراض أمور معينة عن الشخص الذي يقف أمامنا.

 

SIGEN_001_00091008.jpg

فاجيكو تشتشخياني، مسار حياة، 2015
فاجيكو تشتشخياني، مسار حياة، 2015
فيديو HD أحادي القنوات مع أصوات مسجلة، 3:34 دقيقة

برعاية الفنان ودانيال مرتسونا، برلين

 

في عمل قبيلة الجرذان (The Rat Tribe) للفنانة سيم تشي ين (Sim Chi Yin مواليد 1987، سنغافورة) يظهر أناس غالبيتهم مهاجرو عمل في بكين. يعيش هؤلاء تحت الأرض في غرف عطنة دون شبابيك كانت في الماضي ملاجئً حتى تمت خصخصتها وإتاحة استخدامها للجمهور.3 مشاهدة العمل تثير أفكاراً حول عدم المساواة المتسع في توزيع الثروات: عدم المساواة يؤدي إلى خلق طبقات جديدة من العمال الذين يعيشون في ظروف فظيعة، واسوأ ما في الأمر هو الاضطرار للتسليم بهذه الظروف. على الرغم من أن كل منطقة لديها تعريفاتها ولغتها الجديدة فإن التواجد إلى جانب كل الآخرين في الشارع يمحو الحدود.

 

SimChiYin-RatTribe-1 copy1.jpg

سيم تشي ين، من مجموعة "قبيلة الجرذان"  (The Rat Tribe)
سيم تشي ين، من مجموعة "قبيلة الجرذان" (The Rat Tribe)

 

 

تضامن مفاجئ يتجلى في فضاء متحف "بيرا": جازدا ايلكين (İlkin)، لويز بورجوا، برليندا دي برويكر ومونيكا بونفتشيني (Bonvicini) تطرحن أسئلة ثاقبة، كل بلغتها.
كانت المدرسة الابتدائية اليونانية "جلاطه" أكثر موقع خاص في البينالي من حيث اندماجها مع الأعمال وسماحها للأعمال التنصيبية بالتحليق لمرتفعات جديدة. بنيت مدرسة "جلاطة" (بالتركية: Galata Rum İlkokulu) بأسلوب كلاسيكي حديث بين السنوات 1885-1909، لتلبي احتياجات الجماعة اليونانية التي سكنت في المنطقة، ومن ثم توقفت عن العمل في سنوات الثمانينات من القرن الماضي في أعقاب تغييرات ديموغرافية وسياسية. بعد أن كانت متروكة لعشرين سنة تقريباً، عاد المكان للعمل كمركز للفن والتصميم المعاصر في سنة 2012.

الفنانون مارك ديون، جونا فريمان (Freeman)، جستين لو (Lowe)، بيدرو جومز-اجانيا (Gomez-Egaña) وأندريا جويس-هايمر (Joyce Heimer) يستحقون لفتة خاصة لأعمالهم. على مدخل الموقع، يستقبل الزوار العمل التنصيبي لجومز-اجانيا (مواليد 1976، بوكارامانغا في كولومبيا)، Domain of Things. الحديث عن مبنى غير مستقر: ديكور المنصة يبدو كبيت من الداخل. عندما يقوم الممثلون بتشغيل الآلية الميكانيكية المثبتة تحت المنصة، يبدأ "البيت" كذلك في التحرك. على غرار أعمال أخرى في البينالي، يتعاطى هذا العمل التنصيبي مع الطريقة التي نشكل فيها البيت أو نعرف مكان ما كبيت، وكيف ينبع ذلك من هويتنا.

 

 

Domain Of Things (Documentation) from pedro gomez-egana on Vimeo.

IKSV_15B_Sahirugureren_408 copy2.jpg

أندريا جويس هايمر، 2017
أندريا جويس هايمر، 2017
متحف "بيرا"، بينالي اسطنبول الخامس عشر

تصوير: Nicelle Beauchene

 

تُعرض لوحات أندريا جويس-هايمر (مواليد 1981، مونتانا في الولايات المتحدة) هي الأخرى في المدرسة اليونانية. حيث علقت هذه بشكل متساو ومتناظر يذكر شيئاً ما بمتصفح "انسترجرام" بينما سجلت عناوين اللوحات بقلم رصاص على الجدران وكأنها تعقيبات أو ملاحظات. ضيف آخر في المدرسة اليونانية هو مارك ديون (مواليد 1961، ماساتشوستس في الولايات المتحدة) الذي يعرض عملاً تنصيبياً يبدو كالمختبر بدرجة كبيرة، بما يشبه معرضاً في متحف العلوم. عندما تفتح أبواب خزانة الخشب المعلقة على الحائط، نرى عمل أعشاب اسطنبول العنيدة (The Persistent Weeds of Istanbul)، رسم لنبتة نجت في اسطنبول على الرغم من عمليات التمدن المكثفة، وعمل مخلوقات اسطنبول المائية الصامدة (The Resilient Marine Life of Istanbul) الذي يستعرض مخلوقاتاً مائية ما زالت تعيش في مياه البوسفور. العمل الذي أنتج بالتعاون مع فناينن ورسامين يبين شيئاً يتعدى الظروف الفيزيائية: جوانب وأبعاد أخرى "للبيت" والمقاومة. كلمة "مقاومة" تتكرر كثيراً في هذه المراجعة ربما لأنها متواجدة وبكثرة أيضاً في المعرض بشكل عام وأيضاً في الكثير من الأعمال المشاركة.4

 

 

IKSV_15B_Sahirugureren_002.jpg

مارك ديون، مخلوقات أسطنبول المائية الصامدة (The Resilient Marine Life of Istanbul) ، 2017 (بورك دك، ايسيك جونر، ريسي كمهي، دانا شروود، جينا ويبر، بريان م. ويلسون)
مارك ديون، مخلوقات أسطنبول المائية الصامدة (The Resilient Marine Life of Istanbul) ، 2017 (بورك دك، ايسيك جونر، ريسي كمهي، دانا شروود، جينا ويبر، بريان م. ويلسون)
خزانة خشب، رسوم بألوان مائية. الخزانة: 75.8X425.5 سم. 64 رسماً، كل واحد 22.9X15.2 سم.

برعاية الفنان وجاليريا تانيا بونكدر (نيويورك)
انتج وعرض بدعم من Tansa Mermerci Ekşioğlu
تصوير: Sahir Uğur Eren

IKSV_15B_Sahirugureren_009.jpg

מרק דיון, יצורי המים העמידים של איסטנבול, 2017 (Resilient Marine Life of Istanbul) (בורק דק,  איסיק גונר, רייסי קמהי, דנה שרווד, ג'נה וויבר, בריאן מ' וילסון)
مارك ديون، مخلوقات أسطنبول المائية الصامدة (The Resilient Marine Life of Istanbul) ، 2017 (بورك دك، ايسيك جونر، ريسي كمهي، دانا شروود، جينا ويبر، بريان م. ويلسون)
خزانة خشب، رسوم بألوان مائية. الخزانة: 75.8X425.5 سم. 64 رسماً، كل واحد 22.9X15.2 سم.

برعاية الفنان وجاليريا تانيا بونكدر (نيويورك)
انتج وعرض بدعم من Tansa Mermerci Ekşioğlu
تصوير: Sahir Uğur Eren

_IEY6852.jpg

بينالي اسطنبول ال-15
بينالي اسطنبول ال-15

تصوير: Ilgin Eraslan Yanmaz

 

قدم معرض "جار حسن" تشكيلة واسعة من الأصوات والمناظر، وسمح للمشاهدين سماع قصص فنانين من كل أرجاء العالم، بينهم هؤلاء القادمين من دول العالم الثالث ومن مناطق أخرى تعاني من مشاكل مثل الهجرة، الحروب الأهلية، القومجية والتمييز الجندري. أما على المستوى المحلي فقد بث المعرض الأمل في المشهد الثقافي الذي تتلبد من فوقه غيوم سوداء: حالة الطوارئ المستمرة، محاولة الانقلاب في العام الماضي، الهجمات الارهابية التي وقعت بالسنوات الأخيرة، ارتفاع أسعار اليورو والدولار والبنى السياسية المتغيرة باستمرار- كل هذه خلقت شعوراً بالتهديد. على جانب آخر، فبينما تستمر السياسة العالمية في التقدم، تقوم الدول بإغلاق حدودها المشتركة. بينالي اسطنبول الخامس عشر يحثنا على طرح أسئلة عالمية وراهنة- أولاً على أنفسنا ومن ثم على أصدقائنا وأبناء عائلاتنا والمجتمعات التي نعيش بها، وبأن نجري حديثاً حول ذلك: هل الجار الحسن هو ذلك الذي يقرأ نفس الجريدة مثلنا؟ أو بالذات ذلك الذي يتركنا وشأننا؟ هل الجار الحسن هو الغريب الذي لا نهابه؟5

 

 

 

 

 

  • 1. صندوق اسطنبول للثقافة والفن (Istanbul Foundation for Culture and Arts -IKSV) أعد كتالوجاً للبينالي بسعر بمتناول يد الجميع. لغة وأسلوب الكتالوج سلسة جداً هي الأخرى. وصف عمل لجاي في الكتالوج يبدأ على النحو التالي: "يقولون بأن التاريخ يكتبه المنتصرون"، جملة افتتاحية شاعرية بمقدورها أن تخلق علاقة بين القارئ والعمل.
  • 2. مع ذلك، فقد سمعنا خلال البينالي بأن عادل عبد الصمد (Abdessemed) كان عرضة للنقد لأن عمله مصنوع من العاج.
  • 3. "سمعت عن غرف السراديب قبل بضعة سنوات"، قالت سيم تشي ين في مقابلة لها. "ومن ثم، في عام 2010، قامت صحيفة محلية في بكين بإلصاق لقب "قبيلة الجرذان"، أو shu zu بالصينية، على المهاجرين الذين عاشوا في الأقبية. شعرت بأن هذا اللقب لم يكن منصفاً وقررت توثيق هذه الجماعات التي تعيش في الكون المتواجد تحت ناطحات سحاب بكين". انظروا: http://15b.iksv.org/news
    (Accessed, Dec 30, 2017)
  • 4. "بأيدي متمرسة بدرجة أقل، كان من الممكن أن تبقينا الملنخوليا التي عادت وتجلت مرة تلو الأخرى في "جار حسن" دون أي عزاء. لكن المعرض في الحقيقة يعيد لنا فننا بالفن كوسيلة مقاومة شرعية وجبارة"، هذا ما كتبته ريتشل سبينس (Spence) عن البينالي في صحيفة  Financial Times في الرابع من اكتوبر، 2017:
    https://www.ft.com/content/75ffed2e-a373-11e7-.d56-98a09be71849
    
(Accessed Dec 30, 2017)
  • 5. اعادة صياغة لقائمة الأسئلة التي تظهر في المقدمة- نص القيمين- في معرض حملة تسويق للبينالي:http://15b.iksv.org/agoodneighbour 
(Accessed Dec 30, 2017)